طباعة    ايميل

محمد العباس يري أن بعضهم يراهن علي المؤسسات الرسمية‏:‏
الشعراء يزيدون الأزمـة سـوءا‏!
السبت 23 / 9 / 2006
الاهرام العربي
أجرى الحوار : هزمي عبدالوهاب

محمد العباس ناقد سعودي بارز‏,‏ يمارس دورا مهما في محاولة إيجاد شرعية للنص الجديد‏,‏ بقراءاته المعمقة لهذه النصوص‏,‏ حيث تدعمه ثقافة واسعة‏,‏ وجرأة علي الاشتباك مع محيطه الفكري‏,‏ دون أن يأبه لتلك الأصنام التي تتسيد المشهد الثقافي في عالمنا العربي‏.‏ يوما بعد يوم‏,‏ وكتابا بعد كتاب يؤكد العباس صدق المراهنة عليه كوجه نقدي شاب لامع‏,‏ وتتأكد هذه المقولة بدءا من كتابه قصيدتنا النثرية‏..‏ قراءات لوعي اللحظة الشعرية الراهنة‏,‏ مرورا بـ حداثة مؤجلة‏,‏ وضد الذاكرة‏..‏ شعرية قصيدة النثر وانتهاء بـ سادنات القمر‏.‏

الأهرام العربي حاورت محمدالعباس حول المشهد الشعري في السعودية‏,‏ فإلي نص الحوار‏.*‏ هل يعاني شعراء قصيدة النثر في السعودية من نفي التيارات الأخري لهم كما يحدث في مصر مثلا؟

المواجهة الآن تبدو أخف مما كانت عليه فترة التسعينيات‏,‏ ربما لأن الموجات الأولي لقصيدة النثر بدأت تنحسر وتقلل من شكل وكثافة حضورها لصالح الظاهرة السردية‏,‏ ولأن التيار التقليدي أصيب بضربة في صميم قوته التي كان يستمدها من الاحتياطي الجماهيري في الشارع‏,‏ وبشكل عام لم تعد قصيدة النثر قضية يتمحور حولها المشهد‏,‏ بقدر ما صارت نزوة فردية مع استمرار حالة النفي الضمني المتبادل بين التيارات‏,‏ خصوصا بعد دخول المرأة للمشهد واجتراح صيغة مركبة للكتابة النثرية تمتزج فيها الإشكالات الاجتماعية بالثقافية‏,‏ وأعتقد أن جوهر المواجهة قد حسم لصالح قصيدة النثر كجنس أدبي مشروع وقابل للتجاور مع بقية الأجناس‏,‏ رغم ما كان يبدو عليه المشهد حينها من نفي وتنكيل برموزها وأصواتها‏,‏ فهوانها المظهري يحمل بنية نافية تؤكد حضورها المستقبلي‏,‏ وهذا ما حدث بالفعل‏,‏ وأعتقد أن التلاسن سيستمر ما دامت الذهنيات الثقافية مبتلاة بما يمكن تسميته بالعقل الأفقي الذي
يعيد تدوير الأسئلة دون تجاوزها إلي الأهم من القضايا‏.‏

‏*‏ ماذا عن موقف النقاد من هذه القصيدة؟

قصيدة النثر نص يتيم‏,‏ متروك في العراء‏,‏ لا تتم مقاربته إلا نادرا‏,‏ أو كاستثناء إبداعي‏,‏ حتي المنابر تضيق بالتجربة نصا ونقدا‏,‏ وقد أعلن عبدالله الغذامي مقاطعتها بشكل صريح وتعليقها في فراغ ثقافي‏,‏ فيما اكتفي سعيد السريحي بالإشادة الموسمية بها‏,‏ ولولا قراءات بين حين وآخر لسعد البازعي ومحمد الحرز وعبدالله السفر‏,‏ وسعود السويدا وآخرين لما وجدت التجربة أي صدي نقدي‏,‏ وبالنسبة لي أصدرت كتابا بعنوان قصيدتنا النثرية‏-‏ قراءات لوعي اللحظة الشعرية‏,‏ تناولت فيه بشكل تطبيقي بواكير التجربة وقاربت مجموعة من الإصدارات حينها‏,‏ وأتصور أن التجربة في حاجة إلي ذوات نقدية تنبثق من صميمها وتواكب حداثتها‏,‏ وهو أمر قد يتحقق ليس علي المستوي الأكاديمي أو المؤسساتي‏,‏ لكن من خلال حركة جماهيرية تعتقد بأهمية هذا اللون الإبداعي الآخذ في التمدد‏.‏

‏*‏ وماذا يفعل الشعراء السعوديون للإفلات من هذ االحصار؟

الشعراء يزيدون الأزمة سوءا‏,‏ فأغلبهم علي درجة من الانعزال والسلبية‏,‏ إذ لا توجد في داخلهم الرغبة للتفاعل مع المشهد بشكل مقنع‏,‏ وحتي الآن لم يتحلقوا في مجامع أو حلقات لتأسيس تيار يمكن الرجوع إليه رغم المحاولات بين فترة وأخري‏,‏ بل إن بعضهم مازال يراهن علي المؤسسات الرسمية‏,‏ وعلي النقد الرافل في التقليدية‏,‏ وأعتقد أنهم في حاجة لابتكار وسائل يمكن بموجبها الترويج لإصداراتهم هم في حاجة إلي شئ من التواصل مع المشهد ليفرضوها بشكل شعري لا احتفائي‏,‏ خصوصا مع توافر أسماء في الصحافة الثقافية شديدة الحماسة لقصيدة النثر‏,‏ مع ملاحظة أن التراكم الكمي لهذا المنجز يسهم بشكل سلبي في مقاطعة التجربة والاستخفاف بها‏,‏ الأمر الذي يعقد المهمة بالنسبة للموجات الشعرية الأولي التي لاتزال منفصلة عن الموجات اللاحقة‏,‏ بل تمارس عليها شيئا من النفي والإقصاء‏.‏

‏*‏ هل تختلف قصيدة النثر السعودية عنها في البلاد العربية؟

لكل قصيدة منطلقاتها‏,‏ وباعتقادي أن قصيدة النثر بصمة شخصية أصلا علي مستوي الأسلوب والوعي الكتابي‏,‏ لكن هذا لا يمنع وجود خصائص أو نص نثري جامع للتجربة في كل إقليم أو مكان‏,‏ وهنا يمكن الحديث عن المرجعية السوسيولوجية لهذه القصيدة‏,‏ فهي تختلف بالتأكيد عن قصيدة الحارة المصرية‏,‏ وقصيدة الحرب اللبنانية‏,‏ وقصيدة الشارع اليمنية وقصيدة الحانة العراقية‏...‏ وهكذا‏,‏ حيث نلاحظ مثلا افتتان كتابها بالمقهي كحالة من الاحتيال علي التابو بكل تجلياته‏,‏ وفرارهم حتي مما كان يسمي بنسق الصحراء كهوية‏,‏ وهذا لا يعني بالتأكيد عدم تأثرها بمرجعيات عربية‏,‏ فلدينا من النساخين والمتأئرين ما يجعل هذه القصيدة هجينة ومدعية ومرتبكة علي مستوي أصالة الصوت‏,‏ ويحتاج الأمر إلي دراسة مطولة لإحالة كل صوت إلي منبعه أو مكامن نهبه‏,‏ مع ملاحظة أن النص الحديث عموما هو نص ضد الهويات الضيقة‏,‏ ومعني في المقام الأول بتحطيم عمي الهويات‏,‏ وذلك التوجه يفرض سطوته علي كل عناصر النص اللغوية والسياقية‏,‏ وبالتالي يصعب ترصد الخصوصية إلا من منطلقات ضمنية‏,‏ وليس من خلال عناوين النص الفاقعة‏.‏

‏*‏ وكيف تري المشهد الشعري الآن؟

هناك كم هائل من النصوص‏,‏ ما يولد ذوات تحاول الانتماء إلي الفعل الإبداعي‏,‏ وأظن أن هذا الفعل التراكمي سيتحول إلي فعل نوعي بشكل أو بآخر‏,‏ فهذه الحالة تدل علي شئ من الديمقراطية‏,‏ وجماهيرية الشكل الفني الحديث‏,‏ وفي مثل هذه الحالات يتوالد الكثير من النماذج الناقصة والمرتبكة والنمطية إلي أن يدخل المبدع في حالة من التحدي ليعلن عن نفسه‏,‏ وكما كان الشعر العربي يلد الكثير من الشعراء الذين نسيهم التاريخ‏,‏ وأخذ منهم الصفوة‏,‏ فستتكرر المعادلة هنا لمن تكون لديه القدرة علي التحدي‏,‏ فقصيدة النثر مثلا قصيدة جيل‏,‏ وليست قصيدة مفتوحة وعليه يمكن الرهان علي التحدي ضمن هذا المكمن‏.‏

‏*‏ بعض الشعراء يشير إلي اهتمام النقاد بنص المرأة لمجرد أنها امرأة بصرف النظر عن القيمة‏..‏ كيف تري هذا الأمر؟

الشاعرات المبدعات يكتبن بمرجعيات الرجال لأنهن خاضعات لسطوة الرجل وخطابه‏,‏ فكثير من النساء الشاعرات يؤكدن تأثرهن بشعراء رجال كنزار قباني ومحمود درويش وغيرهما‏,‏ ولم تتأثر الشاعرات بشاعرات سابقات‏.‏
ومن ناحية أخري لاتزال الشاعرة العربية غير قادرة علي فرض صوت شعري أنثوي مميز‏,‏ إلا فيما ندر بسبب الظلم التاريخي إذا صح‏,‏ والإقصاء المتعمد لها علي مدي عصور طويلة‏,‏ بحيث لم تكن المرأة موجودة أصلا إلا في هامش الحدث السياسي والحياتي‏,‏ وعليه لم يكن لأي ذات أنثوية أن تحقق ذاتها شعريا بما هي غائبة حياتيا أصلا‏.‏

‏*‏ هل يتم تجاهل قصيدة النثر لأسباب خاصة بالقطيعة التي أقامتها مع المنجز التراثي الشعري؟

غالبا ما ينظر إلي قصيدة النثر كرد علي القصيدة العمودية والتفعيلية‏,‏ والأمر يختلف تماما فهي حدث ثقافي وبالتالي فإن شروطها تختلف عن سابقتها‏,‏ وإن تقاطعت معها بشكل أو بآخر‏.‏ وأعتقد أننا في حاجة إلي النظر لقصيدة النثر كنتاج لإنسان جديد وليس مجرد شكل أو لون إبداعي منقطع عن شروطه‏,‏ وعليه لابد من مقاربتها داخل فعل الحداثة‏.‏ والقطيعة بين القاري وقصيدة النثر مسألة تتعدي احتفاءها بالهامشي واليومي‏,‏ إنها تعيش صراعا مع الأذن العربية ممثلة في صرامة الذاكرة العربية وما يتولد عنها من ذائقة عنيدة ومكرسة‏,‏ فالأذن العربية مثقلة بالطبول والأجراس‏,‏ وقصيدة النثر في حاجة إلي التخفف من ادعاءاتها‏,‏ وعدم التعامل مع منتجها كبديل‏,‏ إنما كخيار‏,‏ وهي مطالبة بالكف عن التنظير ورفع الشعارات‏,‏ وتصدير البيانات‏,‏ فالرهان علي الإنتاج وليس علي الضجيج‏.‏

‏*‏ ألا تري أن النقاد مقصرون في متابعة الإنتاج الأدبي الجديد؟

ليس بإمكاننا أن نقول إن كل النقاد مقصرون‏,‏ لكن المبدع العربي يعتقد أن مهمات النقد الترويج لمنتجه الأدبي وكيل المديح له‏,‏ أو علي الأقل تقديمه بصورة إيجابية علي الدوام‏,‏ لكن مهمة النقد تختلف‏,‏ فالناقد مثلما يتناول جماليات النص‏,‏ يتناول القبح فيه ومواطن ضعفه‏.‏
أعتقد أن النص الجيد يفرض نفسه علي الناقد‏,‏ أما الصمت عن كثير مما ينتج فهو باعتقادي رأي نقدي‏,‏ فالصمت دلالة علي عدم الاقتناع‏.‏ ويفترض لكل موجة إبداعية أو ظاهرة جمالية أن تولد نقادها‏,‏ فالنقد هو العمودالثاني لأية عملية إبداعية‏,‏ وأي مشهد أدبي يتعطل فيه هذا الفعل يكون في حالة عرج‏,‏ المهم ألا يمارس الناقد وصايته الأبوية علي النص أو أن يشده علي مقصلة المناهج ليمنع عنه التنفس‏.‏

‏*‏ وكيف تفسر العلاقة غير الطبيعية بين المبدعين والنقاد؟

ولا يتحمل تبعات هذه العلاقة النقد فحسب‏,‏ فالنص ومنتجه عادة ما يكون زاهدا في تلقي الفعل النقدي أو خلق أي صلة مع الناقد‏,‏ وبالتالي تتحول القطيعة في أغلب الأحيان إلي حالة من العداء الصريح‏ .
المصدر