الناقد محمد العباس .. لـ " اليمامة "
حكايات الحب في الروايات السعودية تقحم لإقتراف ( الممنوع ) !!
اليمامة – العدد 1959 – السنة السابعة والخمسون – السبت 2 يونيو 2007
حوار: شقران الرشيدي
يشكل الناقد جزءا أساسياً من الحراك الفكري في الحياة الثقافية.. ويكون رابطاً مؤثراً بين النص الابداعي والقارئ، أو بمعنى أدق جسراً بين انطلاق الفكرة ومدارج هبوطها.. فهو يرصد، ويحلل، ويسبر، وينقد ما يحتويه النص من أسلوب فني، وفكرة، ومنهج، ولغة .. ليقدم في نهاية مطافه النقدي قراءة لمفاتيح العمل وخامة المبدع ومن يكون..
في هذا الحوار نستضيف الناقد ( محمد العباس ) أحد أكثر النقاد السعوديين حيوية وحضوراً وتألقاً لنتحدث عن أهمية مراجعة الخطاب النقدي المحلي، وأبرز معضلات العطاء السعودية، ونشخص الواقع الثقافي، ونكتشف حقيقة التخليق الإبداعي لدينا، والآفات التي تعاني منها ساحتنا الثقافية بكل أبعادها ..
** يطرح الكثير من المثقفين آراء متعلقة بأهمية مراجعة الخطاب النقدي المحلي كغيره من الخطابات الأخرى لاسيما على مستوى المنهج واللغة.. أنت كناقد كيف ترى مثل هذا الطرح ؟
لا شك أن الخطاب النقدي المحلي يحتاج إلى الكثير من المراجعة، فهو بحاجة إلى ما يمكن تسميته بنقد النقد، أي أن يعيد النقاد موضعة خطابهم قبالة المنجز الابداعي، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى يفترض بهم إعادة فحص أدوات الخطاب، أي تطويره مع حاجات المرحلة التي يتداخل فيها الثقافي بالإجتماعي بالسياسي، خصوصاً فيما يتعلق بالنقد التطبيقي. هنالك أسماء نقدية لا زالت تتعيش على هالة منجزها القديم، وتعتلي المنابر بتصورات نقدية إجترارية، إيماناً منها بأهمية الإبقاء على دور الوسيط بين النص والقارئ، دون أن ترفد المشهد بأي جديد، وبدون أن يكون لديها القدرة على استجلاب آخر طروحات ونظريات الفكر النقدي لتأوينها في المشهد، مقابل أسماء أخرى جديدة فاعلة ولكنها مهمّشة إعلامياً ومنبرياً لأسباب مختلفة، والنتيجة أن هذا الخطاب النقدي، الحديث منه على وجه الخصوص، تصيبه الاتهامامات بالتعالي المعرفي، وبشبهة التغريب، وبكثافة التنظير، إلى آخر الدعاوى التي يبدو أن بعضها صحيح وقابل للمجادلة، وأظن أن طرح مثل هذه القضايا منبرياً هو السبيل لمجادلة جادة وناجعة ليس للخطاب النقدي وحسب، بل الابداعي بشكل عام.
** في أحيان كثيرة يكون هناك تهليل إعلامي ونقدي لرواية يراها القراء لا تستحق كل هذا الاهتمام .. فهل يدخل هذا من وجهة نظرك ضمن حملات تسويق الرواية أم أنهم يرون ما لا نراه ؟
بعض تلك القراءات المجانية تدخل في هذا الإطار بالفعل، وتنتج في الغالب عن ذات نقدية تتعاطى النقد كمنبر للإعلان عن منتج دون مراعاة لأبعاده المعرفية والجمالية، فهي تراهن على كسب ود الشخص على حساب القيمة، وفي هذا إهدار لمعنى الثقافة والإبداع والآدمية. وعندما يتآزر الخطاب الإعلامي بالخطاب النقدي في التهليل لمنتج أو صوت إبداعي تكون النتيجة كارثية. أما بعض القراءات التي تبدو بريئة من تهمة الترويج والتسويق فيعود سبب الاختلال فيها والمبالغة في التهليل لجمالية المنتج إلى كون القراءة مصابة بفقر في الوعي المعرفي والجمالي، فهي في الواقع لا تمتلك وسائل الدفاع والإقناع بقدر ما تعتمد على لعبة لغوية فضفاضة تشبه الكتابة الخالية من الكتابة، أو هذا ما تبدو عليه لحظة استقبالها، فهنالك من يجيد الشعوذة تحت مسمى النقد.
** متى تتخلص الرواية السعودية من مجرد الرهان على اختراق (التابو) والممنوع .. وتنصرف إلى الجماليات الفنية، والكتابة، والمغامرة، و التجديد؟ وفي اعتقادك متى نصل إلى إنتاج روايات حقيقة ؟
أعتقد أن الرواية السعودية تعيش صيروتها الإبداعية داخل ضرورات التجربة والخبرة الزمانية، ولا يمكن توقيت اللحظة التي سينعطف فيها المنجز نحو رواية مكتملة أو ناضجة، فمقدمات الرواية وواقعها الآني كما نرصده اليوم لا تبشر بشيء من التجاوز على المدى القريب، وقد يستغرق الأمر وقتاً أطول، خصوصاً أنها تنكتب عبر ذوات غير مجربة، ولا تمتلك أدوات التعبير اللغوي الضرورية، وغير مزودة بجاز مفاهيمي قادر على تحليل اللحظة وما وراءها. أما الأسماء ذات الخبرة والسمعة فيبدو أنها مستسلمة لسطوة الظاهرة الإعلامية، وبالتالي يصعب توقع رواية يستكمل فيها الإطار الفني صخب المضامين، كأن الجميع قد تواطأ على الخمول، وإنتاج رواية باهتة شكلاً ومضموناً، أو على درجة من العادية، وبالتأكيد ثمة أبعاد وعناصر ستتحرك حتماً لتغيير هذا الواقع ربما يكون منطلقها القارئ، بما هو السلطة الجديدة القادرة على تحفيز الفعل الروائي نحو أقاليم غير موطوءة، وعبر أساليب طليعية غير مجربة.
** تكتظ الساحة المحلية بكم هائل في الجانب السردي .. في حين تقل العطاءات في الألوان الإبداعية الأخرى .. ما هي الأسباب وراء ذلك؟
هذا استنتاج غير دقيق، وهو بحاجة إلى رصد أكثر دقة، فكل الخطابات الإبداعية تتحرك على المستوى الكمي، بما في ذلك الخطاب التشكيلي الذي يعاني من ازدحام في الأسماء والتجارب، وكذلك الشعر، ولكن الظاهرة السردية تبدو أكثر حضوراً نتيجة تسليط الضوء الإعلامي عليها، والانسياق النقدي خلفها، وتورط كتاب المقالات اليومية في التعليق عليها كظاهرة، وكذلك انفعال القاعدة القرائية بها، إذ يمثل السرد، والرواية بالتحديد، ملحمة الانسان الجديد، وتحمل في ثناياها هموم مجتمع آخذ في التغير والتبدل، وهذا بالتحديد ما يجعل من الرواية هي الحاضن لكل ما يفكر فيه ويحس به الإنسان الجديد، حيث التواشج العميق بالزمن، والأهم أن الروائيين استطاعوا خلال فترة وجيزة تقمص دور النجوم، باستثمار ممكنات الظاهرة الاعلامية، وهو أمر لا يحدث بالنسبة لبقية الخطابات.
** تطرق بعض الكتابات النقدية هنا وهناك إلى أن رواية (شقة الحرية) ليست من الرواية في شيء .. بصراحة ما هو رأيك في تلك الرواية تحديداً ؟
تحدثت كثيراً عن هذه الرواية بمجرد صدورها فاعتبرتها خطفة " سيرية " ضرورية للرواية المحلية، كمتخيل سردي، كما تناولتها في أكثر من دراسة على حافة الحداثة الروائية، وأعتقد أنها تشكل المنعطف البوحي الأهم للرواية السعودية الحديثة، فقد سجل غازي القصيبي من خلالها بروز النزعة " الفردانية " لأول مرة ربما، إنقلاباً على " الذاتية " حيث لا تتنازل الذات عن معناها الخاص لصالح المعنى الإجتماعي العام. وهي كرواية مليئة بالمضامين المغايرة، وخطابها يكتنز بالمضمرات الخطيرة، لكنها من ناحية البنية الفنية ليست على تلك الدرجة من الاكتمال، وإن كانت من أفضل روايات القصيبي إنسجاماً مع شخصيته وأسلوبه قبل أن ينزاح إلى الغرائبيات، والقفزات اللا مبررة من أسلوب إلى آخر.
** في حمي التراكض نحو (نادي الروائيين) - كما وصفته ذات مرة - هل نراك يوماً من أعضاء هذا النادي ؟
لا أتصور أن كائناً يعيش العلاقة الدائمة بالكتابة لا يحلم بالإنكتاب كرواية، فالحياة تكون أجمل وأشهى عندما نعيشها كرواية، ولكن من يعرف المعنى التدميري للرواية لا يجازف بسرد ذاته بشكل باهت. عموماً نادي الروائيين على درجة من الرحابة والاتساع، وربما احتملني أو اغراني بالإنتساب إليه يوماً ما.
** تكتب كثيراً عن تجربة شعراء غير سعوديين .. فهل يعني ذلك أن لديك تحفظ على تجربة قصيدة النثر السعودية على الرغم من تجربتك الخاصة في النثر؟
إذا كنت تتحدث عن قراءتي المكثفة لتجربة وديع سعادة، فهذا أمر جدير بالتوقف عنده، لأن تجربته من التجارب المميزة عربياً وأجدني منفعلاً بها لما تحتويه من أحاسيس صادقة وحادة، وللطريقة المغايرة في تدوينها حيث الكلام السهل الذي يأخذ من الشعر جوهره. لقد تعلمت وتألمت كثيراً من معانقتي لوعي وأحاسيس وديع، وأعتقد أن مثل هذه النماذج الإبداعية لا تنتصر للشعر وحسب، بل تستفز في داخلنا الإنسان. أما بالنسبة للمنجز المحلي فليس لدي أي تحفظ بالعكس، كتبت وما زلت أتابع التجربة الشعرية، وأعتقد أن كتابي " قصيدتنا النثرية - قراءات لوعي اللحظة الشعرية " وما تبع ذلك من كتابات متفرقة حول مختلف التجارب، دليل نقدي على اهتمام ومتابعة وحب للمنجز، لدرجة أن الاتهام يطاردني على الدوام بالترويج لقصيدة نيئة، لأنها فسقت على النوع الأدبي، وأعتقد أن تجربتنا الشعرية فيها علامات جديرة بالانتباه والدراسة.
** ما هي أسباب تـحول بعض مقالاتك إلى خريطة عالمية تحرص فيها على استدعاء أسماء الكتاب والفلاسفة والأكاديميين من الثقافات الأخرى؟
أشعر بمديونية معرفية وجمالية لبعض أولئك المتحدرين من دوائر الآخر، حيث أعيد إنتاج ما أتعلمه منهم، وأتلذذ بما أرتشفه من أفكارهم، لدرجة أني أتتلمذ على عبقرياتهم الاختراقية للزمان والمكان. بيني وبين منجزهم ما يشبه الإعتناق. وأعتقد أن المقال الذي تنغرز فيه المعرفة بإحالاتها دليل على الرصانة والأمانة كما هو فرصة للوقوف على ما ينتجه الآخر، المهم ألا تكون الاستحضارات لتلك الأسماء استعراضية، أو لا تتوافق مع مرادات المقال، وألا تكون خشنة من الوجهة الأسلوبية، فهؤلاء ليسوا مجرد عدة فكرية أو نقدية، إنهم ذوات حية، أحب الطريقة التي فكروا وأحسوا بها الحياة، وأحلم بقارئ يشاركني هواي وافتتاني بهم.
** لماذا يقل بروز النقاد في الوسط الثقافي المحلي في حين يكثر وجود الروائيين ؟ وهل يوجد لدينا نقاد متخصصون في نمط واحد من النقد ؟
النقاد ينتمون لفصيل يمكن أن نسميهم منتجي المعرفة، وهو حقل على درجة من الوعورة، ويحتاج إلى الكثير من التأمل والقراءة والفحص والتشخيص والتحليل، لأن النقد آلية إفهامية على درجة من التورط مع كافة المعارف والجماليات التاريخية والنفسية والاجتماعية، والناقد قارئ يحمل وعياً كليانياً للظواهر وليس تجزيئياً، بينما الرواية، بمعناها المتداول، هي مهمة تقتصر على الذات الراوية قبالة تجاربها وخبراتها اللغوية واللالغوية. ومشهدنا الثقافي يعاني بالفعل من قلة عدد منتجي المعرفة، ومن كثرة مفرطة وغير منطقية لمنتجي النصوص، وفي ظل اختلال المعادلة بين النقد والابداع يزداد الأمر سوءا. أما عن وجود نقاد النمط الابداعي الواحد فهذا أمر متوفر لأسباب معرفية أحياناً، ولأسباب ذوقية أحياناً أخرى وهكذا، فهنالك نقاد يجدون فرصتهم في السرديات نتيجة ميولهم للنفس الحكائي، ونقاد يمتلكون موهبة التماس بالحالة الشعرية لأن ذلك يحقق بعض ما تعلموه أثناء دراستهم الأكاديمية، ومقابل هذا وذاك يوجد نقاد يتورطون بوعي وكفاءة في النصوص البصرية إلى جانب النصوص المكتوبة، وهذا الصنف نادر جداً، ويصعب استنباته في أرض لا زال خطابها الأكبر يقوم على اللغة، ولا تتوفر ضمنها أي قضية عن تكامل الفنون أو تصارعها.
** ما مدى تواصلنا مع المنتج العالمي الثقافي .. ألا نزال مستهلكين أم أصبحنا إلى حد ما من ضمن المصدرين له ؟
ما زلنا نستهلك ما ينتجه الآخر، والطريق إلى إنتاج ثقافي يمكن تصديره طويلة جداً، ونحتاج إلى استراتيجية مؤسساتية وجماهيرية تنبني على توظيف المنتجات الثقافية كصناعات، وتؤكد على أهميتها الفائقة، حيث تتم إعادة ابتكار الحياة الإجتماعية، عبر عمليات معقدة، بتخليق وسائط فاعلة بين الثقافة والإقتصاد والسياسة. ما زلنا طرفاً ثقافياً ولم نقترب بعد من المركز، فالمركز الثقافي يعني ويقوم على الإنتاج، وعملياً نحن لا ننتج ثقافة، إنما نستهلك الكثير من مشتبهاتها ونتوهم قدرتنا على إنتاجها، لأننا باختصار لا ننتج قيمة. فما الذي نتوقعه من ثقافة لا تؤمن بالديمقراطية مثلاً بل تجاهد لفك الارتباط البنيوي بين الثقافة والديمقراطية، وتمارس كل صنوف الصد والممانعة لطرد الحداثة. الثقافة ليست رواية وقصيدة وقصة، أنها نظرية للحياة تمتزج فيها القضايا الحقوقية بآخر مفردات قاموس الإنسان الحي، ولو تأملنا ما أضافته الثقافة العربية عموماً للقاموس العالمي خلال العقد الأخير لوجدنا أنها مفردات محدودة، وللأسف هي مفردات تحيل إلى الإرهاب والعنف والتدمير، أما الجماليات فالمسافة بيننا وبينها بعيدة جداً. أظننا خارج التاريخ أو على هامشه ولا يمكن لمن يقيم في الهامش أن يعرف حاجات البشرية من القيم وينتجها.
** ذكرت في إحدى كتاباتك أن الثقافة المحلية تعاني من الفوضى الكتابية و مصابة بالعديد من الآفات (كالترف المادي، والانتماءات القبلية والمذهبية والفئوية .. الخ ) ، لكنك لم تطرح لنا كناقد الحلول لمعالجة هذه الآفات؟
الحل ليس ثقافياً بالمعنى الصرف، ولكنه على صلة بالمعنى الوظيفي للثقافة، كما يتمثل في الإصرار على استزراع الوعي الناقد في مجتمع غير ناقد أصلاً، إي ذلك المعنى المعزز لروح المواطنة، بما هي المصهر لكل تلك التشظيات والاستيهامات، حيث تجذير الوعي بأهمية " التوافق العميق " بين مختلف المذاهب الفكرية والجمالية، إذ لا عاصم من أمراض العصبيات وأوهام الذات إلا الإحساس الفعلي بالمواطنة، وأداء مهماتها وفق صيغة تعادلية. وللمثقف في هذا الشأن دور مهم، فإذا كانت المؤسسة معنية بتهيئة أجواء التوافق والتسالم الإجتماعي، فإن على المثقف خلخلة كل تلك الأنساق القبلية والطائفية والفئوية والإجهاز عليها عبر الممارسة وليس التنظير وحسب، وإحلال بدائل تتناسب مع مهبات العولمة والتعريف الأحدث للثقافة حيث التعدد والتنوع والإختلاف، فهذه هي ملاذات الكائن الذي يعيش مرغماً شروط العولمة وضرورات الكوننة.
** يرى الكثير من النقاد العرب أن هذا الكم الروائي الذي نعيشه في المملكة لا علاقة له بفن الرواية .. ما رأيك في ذلك ؟
لا أظن أن النقد العربي قد التفت للرواية المحلية حتى الآن، ولا أظن أنه سيفعل قريباً هنالك كتاب مقالات علقوا على رواية من هنا وأخرى من هناك، وفي أغلبها مقالات انطباعية تعضيدية ومجاملة، ولكن الرواية لم تخضع عملياً لفعل المناقدة الحقيقي، ولم تتوفر النية لفهم ما يجري روائياً. أما ما نشهده من طفرة روائية فأعتقد أن أغلبه بالفعل لا علاقة له بفن الرواية. كثيرة هي المحاولات التي تتشبه بالرواية ولكنها لا تبلغ مرقاها، أعتقد أننا نعيش فوضى روائية قد لا تكون خلاقة بالضرورة.
** يقال أن حكايات الحب تقحم في الروايات السعودية لمجرد تمديد السرد وترقيعه دون مراعاة للمعايير الفنية للرواية .. ما هي وجهة نظرك حيال ذلك؟
في ورقة بعنوان " الحب سيد السرد " تطرقت إلى جملة من التداعيات حول موضوعة الحب في الرواية المحلية وما يستتبع ذلك الاستحضار من إشكاليات الجنس، وهو أمر لا أرفضه تماماً ولكن أطالب بوعي مبررات حضوره، فالحب قيمة تدميرية بقدر ما تخلخل البنى الاجتماعية، وتوسع المعيار الأخلاقي، تستقطب كل عناصر السرد. والتعبير عنها روائياً يحتاج إلى رؤية عميقة بالعلاقات الإنسانية، وكفاءة لغوية على درجة من التعقيد، أما ما يحدث في الرواية المحلية فأغلبه محاولات لاقتراف " الممنوع " والرهان على الأكثر وعورة من مثلث التابوات، وهو في الغالب مسقط من الخارج، ومفتعل، وغير موظف كمركب بنيوي داخل السرد.
** هل الإبداعات النسائية لدينا أصبحت تأتي ضمن حركة منفتحة على مختلف المؤثرات المعرفية والفنية المتاحة للجميع أم أن لها خصوصيتها؟
ينطبق على الانتاج النسائي ما ينطبق على عموم العملية الإبداعية، إذ لم تعد هنالك حواجز تمنع وصول المعرفة لأحد، ولكن خصائص الذات الأنثوية هي التي تحدد شكل التعاطي مع ما تكتسبه من مفاهيم واساليب. أعتقد أن المرأة صارت على درجة من الاطلاع بما يكتب عنها بالقدر الذي امتلكت فيه هامش المشاركة لصياغة واقعها والتعبير عن حضورها، فقد اكتسبت صوتها، بدليل وجود منتجات ابداعية كمية تعادل منتج الرجل، كما يحدث في الحطاب الروائي مثلاً، بالاضافة إلى منتجات ابداعية على درجة من الفصاحة والجرأة والفجاجة أحياناً، بل ان بعض الأصوات النسائية تفوق الرجل في التعبير عن هواجسها، وتبوح بما لا يقتدر عليه، وهذا دليل على انفتاحها الواسع على مختلف المؤثرات، وتبقى التجربة هي ضالتها ومكمن تحديها الأهم.