الزمن البرتقالي - كفن يدعي انه قميص | |
لا تصدقوا أنه قميص. أشم فيه رائحة الموت. إنه كفن لقتيل قادم! ليس من قبيل المصادفة أن يسربّل الخاطفون بول مارشال جونسون بهذه الأسمال البرتقالية، فكل ما بهذا القميص المقدود من كل الجهات لا يوحي إلا بالموت، وهو لا يبدو مناسبا بحال لجسده المنهك والمرتعد كما يبدو من الصورة المرفقة مع بيان التهديد بإعدامه. إذا، لندرّب أبصارنا، وبنبرة رثائية، على هذا اللون الحزين حتى ولو عبر فضائيات تتسابق لطلاء شاشاتها بوهجه، فمزاج الموت المشاع والمتبادل بين المتحاربين لم يعد بلون " الزمن الأصفر " كما كتبه غروسمان، إنه " الزمن البرتقالي ". أجل، لم يكن مجرد قميص، هذا الذي ألبسوه بول جونسون. إنه كفن مطرز بمواعيد الموت، فالبرتقالي هو لون الإفناء المدبّر، وهو لون الزمن منذ مهزلة أو مأساة الحادي عشر من سبتمر، كما أرادها المتحاورون بالجثث. لقد أختاره الخاطفون الذين سيتحولون بعد أيام إلى قتلة بعناية وقصد، ليذرّوا المزيد من الذعر البرتقالي في الأفق فهو طقس العالم لمدة يبدو أنها ستطول. إنه الرد اللوني المبيت على الفوسفوي الحزين لكائنات غوانتانامو البرتقالية المكبّلة بالأصفاد. منذ شهر تقريبا، تم تبادل البومات صور الموت بين بوش وابن لادن، بتوصيف اللوموند، حيث حز الزرقاوي رقبة نيك بريج المطلي بأوفرأول برتقالي، نيابة عن زعيم القاعدة، وكرد على تعذيب المعتقلين العراقيين الذين توزعوا كمخلوقات في صور تتراوح بين لون الجسد المعرّى وذل البرتقالي المتوج بأكياس النايلون اسوداء الخانقة، والمذعور أمام قهقات السجانات ونباح الكلاب الجائعة. إنها عودة محدّثة لفلسفة القتل البرتقالي، أي لفتنمة الآلام مرة أخرى كما امتهنها اليانكي مع فلاحي فيتنام بمنتهى الوحشية، لدرجة أن الروائي شتاينبك صاحب رواية " عناقيد الغضب " رافق طيارا أمريكيا ليرى بأم عينه وأبيها، كيف تحصد آلة الحرب الأمريكية أرواح الفقراء العراة، وقد وصف كل ذلك منتشيا بما يشبه العزف على أصابع لوحة البيانو. هكذا تلوث البرتقالي، ذلك العصي على ريشة وذوق الفنانين، وانزاح عند بوذيي فيتنام من لون للصفاء والنقاء إلى لون للموت، وإن أصر الدالاي لاما على مخمليتة كرداء تنسكي، فذاكرة الفيتناميين تخشى هذا اللون كشفرة قاتلة تحت ما سمي " العامل البرتقالي Agent Orange فقد كان ذلك المبيد العشبي أحد أخطر سلالات الغاز المميتة الأربعة عشر التي استخدمتها الولايات المتحدة في حربها ضد الفيتناميين المعدمين. من هنا بدأ فصل جديد من تاريخ أمراء الظلام في الولايات المتحدة في حربهم البرتقالية، إتكاء على هذا اللون الأثير في مخيلتهم العسكرية. ولكن، لم يعد بمقدورهم تغييره الآن إلى لون أكثر بهجة، أو أقل خطورة. ألا يعلم أولئك أن فائض الأقمشة البرتقالية يفوق ما تصوّره لهم أوهام القوة، وأن بإمكان أي يائس أو متحمس أن يخيط لهم من الأكفان البرتقالية ما يفوق عدد أعلامهم المرفوعة في كرنفال السباق على الرئاسة!؟ هكذا ترسمت استراتيجية الخوف في الوجدان والمعاش اليومي الأمريكي، وباتت محكومة بألوان خارج قوس قزح وداخل طوق الأزمات، كما أعلنها توم ريدج، في خمسة ألوان تحدد منسوب الخطر وتعلن الإنذار طوال العام، أخطرها الأحمر، يليه البرتقالي ثم الأصفر كإشارة للتأهب ثم الأزرق الذي يعني الحذر ثم الآمن ولونه الأخضر، مع اعتراف صريح ومرعب في آن بأن البرتقالي هو الطقس الممكن والمهيمن الآن، ولو بخطوة ارتدادية حذرة إلى الأصفر، أما الأخضر فمن المستحيل تخيله لسنوات طويلة قادمة. مسكين بول جونسن فهو ضحية أخرى من ضحايا العمى البرتقالي. |