كائن نومنكلاتوري معولم
والآن .. لم يعد بمقدور أحد التقوّل على ابن العباس، فبعضي موجود On lineومن العبث والتجني الزعم - تصريحا أو تلميحا - بالقول: حدثنا ابن العباس، فقد دخلت " الزمن النتّي " بتعبير امبرتو ايكو، وتأرشفت بأمانة الكترونية، لم تكن في متناول الإمام أحمد بن حنبل، لذلك قوّلوه نصوصاً وأوّلوه هرمونطيقياً، فيما بتّ عرضة لكل تقنيات " التسييف " بالمعنى التكنتروني للكلمة، كما فعلها معي أحمد كتوعة إذ حبسني منذ زمن في خانة الحفظ Save As ليختصرني كعادته في عدد من البايتات والملفات المفهرسة كيفما اتفق.
هكذا تعبأت في موضوعات موصولة عبر روابط Links تمتد من العقل إلى القلب لتتواشج بمخملية مشاعري، فكل ما فكرت فيه، وما استمزجته يتأرجح مخضرّا على الشاشة، ويمكن الوصول إلى آخر نأمة صدرت عني، وما أهجس به دائما دون عناء، حتى بعض من يكاتبوني على الخاص Private سيطالهم بعض انفضاحي، فالأمر لا يتطلب سوى نقرة ناعمة Click كما توعدتني نور القحطاني، بمنتهى الود والترصد " الآن يمكن للقارىء أن يمسك بك بـ قوة ويقرأ لك دون الإستعانة بـ قبضة البحث ".
لم أعد كائنا حصريا إذا، بل مخلوقاً نتياً، مشاعاً ومعولماً إلى حد ما. ونتيجة تهوري تحولت إلى مجرد إحداثيات نقاط ضوئية Pixels وأضحيت بتصور ادريس علوش " حبات الكترون طازج ستأكلها الريح وشقائق العولمة " لذلك واعدني على ايقاع قهقهة مجلجلة " سلام .. سلام .. وكفى .. موعدنا جحيم العالم السفلي وتحديدا في مذبحة تعنى بشؤون قصيدة النثر... " بما يعني زيادة اغترابي، فكيف لقروي يحاول أن يتعولم أن يرتكب مثل هذه الحماقة النتيّة، وهو يعيش في بقعة مصنّفة خارج نطاق العالم الرقمي Non-Digital Countries بدعوى أو خديعة المواطنة الكونية!؟
هذا هو بعض حقي فيما سماه برجنسكي تيتي تاينمنت ( Tittytainment ) ولن أترجم هذا المصطلح المغوي، حتى وإن عاتبني محمد حسن علوان الذي أمعن هو الآخر في التشفي مني" و.. صرتَ افتراضياً أيها العباس! ". وبعد أن عيرني بهويتي النتيّة الجديدة رفع كفيه إلى السماء وأرسل صوته عبر ممرات " الهايبر والسايبر " ليستقر في وادي السيلكون المقدس Silicon Valley داعيا لي بمستقبل يليق بغرائبية مخلوقات ماتركسية لا شكل لها " أتمنى أن تزداد علواً، حتى تصبح ( هيدروجينياً )، ثم ( إيريدومياً )، وهكذا.. حتى تصبح يوماً من نفس المادة المستخدمة في عرش الله نفسه! ".
إذا، ارتكبت عملاً طال انتظاره، واقتحمت بحضوراتي العديدة في الثقافة العربية " طباق النت الأثيرية " بموقع يخصني، كما عبر عوّاض شاهر عن فرحته، ولم أعد مشردا نتياً، بل أصبح لي منزلي الخاص، الذي زارني فيه حامد بن عقيل بمجرد أن عرف عنواني فصافح يدي الممدودة مشيدا بما صادفه داخل نظامي السيميوطيقي، وتوقف أمام " عقلي التبادلي " أو ما سمّاه هابرماس "التواصل الفاعل " الذي حاولت ككائن عصري، أن أتجاوز به وفيه، محدودية المجتمع الشفوي، وتمردت على مجتمع الكتاب، وصار بمقدوري الإستحوذ على فصيل جديد من القراء لأنه " مررررة رايق " بتعبير هناء حجازي الودود، دخولا بنصي العبر شبكي Hypertext إلى ما يسميه لوسيان سفيز " مجتمع التواصل الإلكتروني ".
وهكذا دخلت تصنيف امبرتو ايكو النتّي، وصرت أنتمي حسب مرئياته، إلى نادي " النومنكلاتورا " أي تلك الحيوات العصرية التي تجيد التفاعل التواصلي مع الكومبيوتر، أو هذا ما أتمناه لأفر من سلالة " الأمية النتّية " أولئك الذين يكتفون بأفقية الثقافة التلفزيونية، ورطانة التعاليم السكولائية، وأيضا لئلا أصاب بعطالة " البرجوازية الجديدة " التي تعرف استخدام الكومبيوتر كبرستيج لكنها تعجز عن التعاطي مع ممكناته التواصلية، وبما أحمله من أمل لحل لغز فيصل الرويس المزمن عن سر إقامتي بين البنى العليا لثقافة النخبة وتحتانية الشعبي أو ما يسمونه إمتهانا بالثقافة السوقية.
بمجرد أن أفتح بريدي الالكتروني أرتطم بوردة مغروسة بحب في مقر إقامتي الجديد، " المزار " كما سمّاه أحمد عبدالحسين، أو " النافذة " حيث أطلت من خلالها فاتن الأنصاري، أو " البستان " الذي تنزه فيه حسين المنجور، فكلما أرسلت دعوة لصديق أو ( Nice Invitation )بتعبير مرام المصري، جاءتني أضمومة من الكلمات المنضدة بحب، من وراء اختراع معجز أسميه " نبالة الكي بورد " لتؤثث مكاني المؤجل الذي " أتى فلا نأي عنه إلا له " برأي استبرق أحمد، حيث " العيد البنيوي الشبيه بشيف رقي " كما تفكه معي وجيه عباس، وتصور دعوتي ( عزيمة باجة ) وتفاجأ بكوني نطفة ثقافية قابلة للإنكتاب المتعدد والدائم Re-writable كما تفاجأ أيضا بكم الكلمات المبعثرة في مينو القائمة الرئيسة.
ربما لهذا السبب تحديدا اعتبره ديع سعادة مهنئا ( Rich Website ) ووصفته وجيهة الحويدر بالصخب الرائع ، واعتبره عبدالله الحسني " مفاجأة سارة جدا جدا " وأحسه علي المقري " فسحة لعالم جميل " ورأى فيه كريم الهزاع " محطات كثيرة تثير غبار الأسئلة " وتمناه حبيب محمود فسحة لصحبة الكترونية، حتى ظننت أن حسن السبع ومحمود تراوري وعواض شاهر وآخرون أصطفوه بالفعل في قائمة ( المفضلة Favorites ).
أظنهم يمزحون فموقعي الشخصي ليس أشهى من موقع شاكيرا!!! ولن يكون بحال أكثر إثارة من موقع إمنيم !!!
بصورة المثقف المعبأ بفكرة تعقيم الآخرين، أو اصراره على ألا يغيره العالم، وأعني تلك التي اقتنصني بها مصلح جميل على غرة مني، وكاد أن يماثلني بتمثال المفكر لرودان، تصدرت ثلاثة مواقع أثيرة على نفسي " جهة الشعر - جسد الثقافة - مدينة على هدب طفل " الأمر الذي أشعرني بالفعل بمعنى القرية الإلكترونية Global Village كما تنبأ بها مارشال ماكلوهان، وما يمكن أن يتأسس من استيهامات تحت عنوان " المواطن الكوني ".
ألا يصيبني هذا التدافع لمبايعتي الكترونيا بالزهو والرعب في آن، ويثير في داخلي السؤال عن معنى أن أنأسر في موقع شخصي!؟ صحيح ما الممكن السيموطيقي الذي قد يعنيه الموقع الشخصي!؟ خصوصا عندما أتأمل " الكاونتر Vis " وهو يصعد إلى الأعلى بتواتر مفرح، فهؤلاء لا يشبهون الأصفار الذي سخر منهم نيتشة لتضخيم الأنا، وتكثير الذات.
كل أولئك اندسوا بشكل أو بآخر في " ذاتياتي " كما يراها عبدالواحد الأنصاري " تأريخا لشاعرية أناي " وبالتأكيد اطلعوا على " بعضي " وصدقوني حين واعدتهم وبذرت كلماتي بين قوسين وبذراعين مفتوحتين على اتساعهما " مهما تبرجت الأماكن، يبقى ( النص ) أجملها للقاء " فهنا التقيت حمد الفقية تعويضا عن لقاء تأجل كثيرا على الأرض.
في هذا المكان الرمزي أو " الفضاء العمومي " كما وصفه هابرماس أتساءل ببراءة الطفل الذي لم يغرم يوما بفتنة " البلاي ستيشن " عما يتوجب على كائن مثلي الآن لتوسيع هامش " خطاب الظل " كما يحرضني عليه دائما طامي السميري للخلاص من سائد الأكذوبة الثقافية!؟ أجل كيف أرفد تمردات هذا الخطاب الذي يفترض أن ينمو خارج الحضّانات الأكاديمية، وفوق وصايا المؤسسات اليروقراطية، وصقيع المنابر!؟
وكيف بهذه الإسهامة المتواضعة، أصادق على ما كتبه محمود تراوري بإنفطامي عن " العصابات الثقافية " عبر هذا المنبر وأقدم " درسا شديد المجانية في كيفية التواضع مع الإحتفاظ بالإباء في لحظة واحدة، وبلا كمائن تصنع أو تزييف " !؟ وهل سألبي بالفعل حاجة منى كريم التي أرهقتها بعلاماتي اللسانية، وصرفتها عن مذاكرة دروسها، فأدمنت قراءتي بما يشبه التبتل " منذ يومين و أنا أتسمر أمام الشاشة اقرأ ما أبدعته أصابعك " !؟
كل هذه البهجة الناقصة يمكن أن أختصرها فيما سمّاه بول ريكور " المرغوبية الإنسانية " بما هي مكان العمل الإنساني، ومشروعه الوجودي باعتباره قيمة كليانية غير قابلة للتجزئة، فبعض مقاصدي الجزئية هنا، المؤكد عليها بتبريكات الأحبة، ليست سوى بعض حبي لذاتي ووعيي الأحدث بمعنى ومتعة الحياة.
الكتابة وإن كانت على الدوام مظهرا من مظاهر القوة، فإنها في هذا الفضاء العمومي المشاع للجميع، وبما تتيحه الانترنت من خصائص التبادل المعرفي والشعوري تلغي خرافة الخصوصي والشخصي، وتستولد من كل ذلك التشارك " جامع النص النتّي " فيما يشبه الحكاية الشعبية، أو المرويات المتواطأ على تصعيد غرائبيتها حد التباسها بالواقع، بواسطة كائنات نومنكلاتورية، لسردها عبر معجزة السيستم وفي حضرة مجتمع التواصل الالكتروني.
|