مقترفات أخرى

مقترفات أخرى


داخل كل بنية، توجد بذرة نافية لها، ومؤشرة على ما ستكونه. هذا ما تؤكده البنيوية التكوينية، ويمكن اعتماده لمقاربة أي منتج ابداعي، فقصيدة النثر التي قوبلت بشيء من القطيعة النقدية والذوقية، تحقق حضورا هادئا، رغم محاولات التهميش والتعويق إذ سجلها الدكتور حسن الهويمل في خانة " المقترفات " ووصفها بالظاهرة القولية التي " فسقت عن أمر الحد والشرط والجنس والنوع " معتبرا " شكلها المتداول: إبداعاً وتنظيراً ودراسة مواطأة خارجة على ضوابط الفن".

وقد كان التصور السائد أن تلك الموجة مجرد فورة طارئة لزمرة من المغامرين، ولن تتكرر. وبالفعل انغلق المشهد حينها بما يشبه النهاية لمرحلة من الكتابة الشعرية المختلفة، ففوزية أبو خالد التي أصدرت " لماذا يختطفونك ليلة العرس " و " قراءة في السر لتاريخ الصمت العربي " توقفت بعد ثالثتها " ماء السراب " كما اكتفى محمد عبيد الحربي بمجموعتيه " الجوزاء " و " رياح جاهلة " وصمت محمد الدميني بعد " أنقاض الغبطة " و " سنابل في منحدر " وهكذا كان مآل جيل التسعينيات أيضا.

لكن استبطانات المشهد كانت تشي بما يخالف هذه النتيجة، وبمزيد من المقترفات، فشكل الحياة المعاش،كان يحتم وجود قصيدة نثرية تتولد عن نثريها ولا تكتفي بمحايثتها، وهو ما تبدى في موجة جديدة من الأسماء والإصدارات، فبعد " فأس على الرف " أصدر علي العمري " ولا يدري أحد " ثم ثالثته " لا فوق لمثلك ". وبعد " رجل يشبهني " ثناها محمد الحرز بمجموعته " أخف من الريش .. أعمق من الألم " فيما توج أحمد الملا مجموعتيه " ظل يتقصف " و " خفيف ومائل كنسيان " بثالثته " سهم يهمس باسمي " وأضاف صالح الحربي لباكورته " أسماء وحرقة الأسئلة " مجموعة " أرى نسوة يسقين الجثث ".

وفيما يتأهب ابراهيم الحسين لإصدار " إنزلاق كعوبهم " ليستكمل مجموعتيه " خرجت من الأرض الضيقة " و " خشب يتمسح بالمارة " يستعد كذلك عبدالله السفر لإصدار مجموعته " وجبة الغرباء " كما يتوقع أن يصدر لأحمد كتوعة " كما أشاء " ليثني بها مجموعته " كرة صوف لفت على عجل " في وقت يستعد فيه عيد الخميسي لطبع " حضن ثالث " بعد مجموعته الأولى " كنا " كما يجهّز لمجموعتين هما " البوادي " و " في حالة كهذه " وتحتفظ سلوى خميس بمجموعة " تحت بشرة الوردة " بعد مجموعتها " مثل قمر على نيته ". ولم يحسم حمد الفقيه أمره بعد بشأن " كلب رينيه شار " ليثني مجموعته " نقف ملطخين بصحراء ". أما غسان الخنيزي فلم يضف جديدا ليتيمته " أوهام صغيرة أو التي تراود الموهوم في الحمى " وكذلك منصور الجهني الذي اكتفى بمجموعته " بعد أن " وخالد مصطفى الذي اختفى بعد مجموعته " الأصابع تمارس أمومتها " وسعد الهمزاني الذي صمت بعد " جد سابع للصمت "

وبعد مجموعتها " الرمل إذا أزهر " انحازت بديعة كشغري لقصيدة النثر عبر مجموعتها " مسرى الروح والجسد " ثم " شيء من طقوسي " وكذلك " على شاطئ من دمانا ". وفيما تنازلت آمال بيومي عن نصوصها النثرية وأصدرت مجموعتها " وقوفا على باب عاد " تجاوزت هدى الدغفق تجربتها الأولى " الظل إلى أعلى " لتصدر " لهفة جديدة " ودخلت مها الجهني المشهد بمجموعتها " مدينة بلا ظلال " وهيلدا اسماعيل، بمجموعة " ميلاد بين قوسين " ثم " أيقونات ".

وقد استقبل المشهد طابورا من الأسماء الجديدة التي أضافت له بعض الحيوية، فقد أصدر سعود السويداء " التخلص من جثة " ونشر محمد خضر " مؤقتا تحت غيمة " كما طرح شريف بقنه الشهراني " مقتطعات الرنين " . وبعد " جموع أقنعة " أصدر أحمد الواصل " هشيم " وحضر مازن اليحيا بمجموعته " شياطين " كما أصدر عبدالله ثابت " الـ هتك " ودخل يحيى خواجي بمجموعته " حتى ... انكسار الماء " وعبدالرحمن الشهري بمجموعته " أسمر كرغيف ".

هذا التدافع النثري يستلزم تأمل مقترفات أخرى ملتبسة بقصيدة النثر، كمجموعة إيمان الدبّاغ " في ترانيم الميس " ومجموعة لولو بقشان " وجه لم يره أحد " التي أصدرتها بعد " ثرثرة البوح الصامت " و " أبجدية الصمت " وكذلك " هذيان " حليمة مظفر، و" تفتيق " سارة الخثلان، وأيضا " نقوش على وجه الماء " لنورة المحيميد، وما تم نشره باللغة الانجليزية لمازن اليحيا، ونعمة اسماعيل، وعبير زكي. كما يتطلب الأمر بعض التماس بأسماء نثرية لم تتمثل بإصدار كجعفر عمران، ومنير عوض، وحسين المنجور، وفريد الضيف، عبدالله اللحيدان، وعبدالله الناصر، وثامر مهدي، وعبدالوهاب العريض، ومحمد الفوز، ومحمد الضامن، وسلطان القحطاني، وزكي الصدير، ومحمد العريض، وزكريا الشقاق، وعلي الفرج، ومنال العويبييل.

كل هذه " المقترفات " النثرية بحاجة إلى شيء من التأوين كحدث جمالي، فقد أثبت هذا النص بتعدد الأقاليم المنبعث منها موت وهم " نسق الصحراء " وتضاؤل غنائبة الثمانينيات كمعيارية شعرية، كما أكد بمراكماته الكمية والنوعية حقيقته كممكن تعبيري أنثوي، وتأصل وجوده كمعادل لصعود الفردانية، فتلك الموجة، في مكامن وعيها، لم تكن مجرد هبة، إنما هي لسان كائنات مصرة إنضاج تجربة وجودها، وتمثل ذواتها رغم القطيعة، وهنا يكمن جوهر الأشياء التي تستوي في الظل .

الإقتصادية - الثلاثاء 5 أبريل 2005



عودة للرئيسة