محمد العباس .. من الأصوات النقدية المثقفة التي تعي تماما ماهية الثقافة ودورها في صناعة الناقد .. وتعي دور الناقد في الحركة الثقافية وأهميته في إثراء الثقافة. يكتب بوعي نختلف معه أحيانا.. ولكننا نحترمه لأنه في النهاية يعبر عن ( محمد العباس ) ولا يحاول أن يكون غيره.. وهذه من أبرز خصاله النقدية.
صدر له ( قصيدتنا النثرية – قراءات لوعي اللحظة الشعرية ) ( حداثة مؤجلة ) ( ضد الذاكرة – شعرية قصيدة النثر ) وله مشاركات في الصحف والمجلات والدوريات العربية والمحلية تتناول الشعر والقصة والتشكيلز
الحوار مع العباس بقدر ما هو ممتع بقدر ما هو سباحة ضد التيار ...
1-سادنات القمر آخر إصداراتك النقدية التي ستشهدها الساحة قريبا واتجه الى الذات الانثويه في محاوله لمحو ماتبدت فيه هذه الذات من تمزق وتناقض قاد الي التهميش
فهل استطعت ان تقود القارئ الي منطق مغاير لما درج عليه في تابو المنع والتهميش الذي غرسته الثقافة المغايرة..وكيف؟
من الصعب اختصار كتاب في عبارات مقتضبة، ولكن " سادنات القمر - سرانية النص الشعري الأنثوي " محاولة لقراءة العبارة الشعرية منذ بداية التاريخ والى اليوم في ظل طفرة شعرية أنثوية مربكة، وفيه قراءة للكيفية أو المنعطف الذي أرادت به المرأة أنسنة اللغة كرد على فعل التذكير، ولذلك لم يتوقف البحث عند الشاعرة العربية بل جاء قراءة في عمق التجربة العاطفية واللغوية والنفسية للشاعرة، أو هذا ما أردت بالفعل تجسيده ، فقد حاولت أن أجيب على سر التغييب للمرأة الشاعرة ، وعن وهن عبارتها الشعرية ، وعن افتتانها بالتواري في المحاريب عندما تفشل في تجربة الحب، ولماذا تمنع ذاتها من التداول وتنتحر ، وعن منسوب الخطابات النسوية في شعرها .. وهكذا . أتراني نجحت ؟ لا أدري هذا ما سيستقبله القاريء في الكتاب الذي صدر منذ أيام . ووصف مبكرا بأنه استكمال لما أغفله الغذامي " في المرأة واللغة " . لم أكتبه بهذه النية ، ولا أظنه كذلك ، لقد استهواني هذا الموضوع خصوصا أنه غير مطروق في الثقافة العربية ، وقد عانيت كثيرا بحثا عن مراجع ، ولذلك كانت مراجعي أجنبية ، فالثقافة العربية لا تأبه للموضوعات المثير للقلق ، بل تتعيش على الجاهز . أتمنى أن يحظى بمقروئية منفتحة
2-حداثة مؤجلة من كتابك الثاني والذي صدر منذ عامين تقريبا يقول البعض انه يتقابل
في الافكار والاراء مع ماطرحه غالي شكري في كتابه..برج بابل..النقد والحداثة الشريدة..والذي صدر في بداية التسعينيات..فهل قرات هذا الكتاب ..وما رأيك في غالي شكري الناقد؟
لم أقرأ " برج بابل " رغم اطلاعي على الكثير مما كتبه غالي شكري وأظنه يختلف عن " حداثة مؤجلة " على اعتبار أن الثاني يجادل جملة من الظواهر الثقافية المحلية ، ولا مجال لمقارنة جهدي المتواضع بقامة هي بمثابة الذاكرة الثقافية . قد نلتقي بالتأكيد في منطلق التأويل للظواهر فهي تتشابه في كل مكان تقريبا ، ولكن تظل خصوصية الأسلوب والنص ، ومبررات أو شروط انتاج المثقف من مكان لآخر، أما غالي شكري فهو معرفي ولكنه لا يوظف تلك المعرفة الهائلة عندما يقدم على فعل المناقدة ، يتحرك في سياق الكتابة بحرية تامة ، وذلك دلالة على حيوية الذات وحرية التمثل ، ولكن لا أدري لماذا يسمح لاشتباكاته الهامشية بتعطيل ذلك التدفق.
3- من من النقاد علي الساحة العربيه والمحلية يستوقف محمد العباس ؟..ولماذا؟
بالتأكيد هنالك من يستوقفني ، الغذامي مثلا كمضخة هائلة للأسئلة المستجدة ، وإن كانت مستجلبة من دوائر الآخر. غالب هلسا ، أحبه ناقدا لجرأته في مجادلة المنجز الفلسطيني رغم أنه غير مصنف نقديا. سعيد الغانمي بدينامية الرؤية . حاتم الصكر بولائه الأولي للنص . عبدالله ابراهيم باصراره على فعل التأصيل السردي عبر مزاوجة الموروث بالعصري. الطاهر لبيب بدهائه السوسيولوجي . عبدالفتاح كليطو بقدرته على افتضاض الموروث من وجهة مباغتة. ادوارد سعيد بكفاءته في مقارعة منظومة الآخر الغربي. فيصل دراج كذاكرة ثقافية مرتبة. عبدالرحمن منيف عندما يتحدث عن آفاق الرواية.خالد أغا القلعة بفانتازيته الحرة. سامي أدهم بشراسته الحداثية. سأتعب كثيرا ان حاولت تنضيد كل من يستوقفني فكل هؤلاء وغيرهم أتعلم من لفتاتهم الكثير.
4-ألا يري العباس أنه يمارس القمع أحيانا في قراءاته النقديه حد إشعار الآخر أن النقد مرة واحدة وكفي عكس ما يقوله جراهم هو وما تؤكدة الدراسات عن تعدديه المعني وغيرها؟
بالعكس ، لست مع القراءة اليتيمة أحادية البعد ، بل مع مضاعفة أفق التوقع ضمن مقروئية ياوس ، أعتقد أن مفهوم المرايا المتشظية مسألة ضرورية لقراءة النص في أوانات ومن زوايا مختلفة، ولا أظنني أستعير عينا ضيقة ( رقيبية أو مدرسية ) لأحاكم النص وأحكم عليه بالتفصيم على سرير بروكست، ولست ممن يمارسون تعذيب النصوص لإنطاقها بما لا تضمره في أنساقها. دائما هنالك حاجة الى نبش النص مرات ومرات لنعيد انتاج المعنى بتعدد القراءات، وأظنني أمارس شيئا من هذا التعدد الحر في مراوتي لذات النص مرة بعد أخرى.
5-ماهي حدود سلطة الناقد كقارئ في علاقته بالنص الادبي..وهل يقيم الناقد محمد العباس حدا لهذه السلطه فى اشتغاله علي النص الأدبي ؟
الناقد ليس سوى قارئ نوعي ، ولا يمتلك حق تقويل النص بقدر ما له حق ومساحة تأويله ، ولكن ليس الى الحد الفارط كما نهى عن ذلك امبرتو اكو ، وليس الى حد استخدامه فالنقد التوظيفي للنصوص يخل بها . تأويل النص لا يعني الغمز ناحية منتجه لتفضيح سيرته ، ولا يعني انتشاله من الشرط التاريخي والسوسيو-ثقافي المتولد ضمنه. التأويل النقدي فعل محبة يقوم على " تأوين " النص بكل ما تعنيه الكلمة من رحابة ثقافية، بمعنى النفاذ الى نوايا النص والتماس مع ما وراء العبارات حتى كما يميل شولز، وصولا الى ما مرادات النص الجمالية وليس ما يفترضه الناقد أو يحاول اثباته بقسرية سواء كانت منهجية أو انطباعية.
6-الا تري معي ان موقع الناقد في دائرة الفعل الأدبي قد تقلص كثيرا واخذ يضيق حد الاختناق خاصة بعد حرب الخليج الأولي التي دارت حولها المعارك الثقافية في الغرب بين بوديار ونودريس وتشومسكي وفوكو وغيرهم من المثقفين ونحن في سبات نقدي وفكري ؟
الناقد جزء من النسق الثقافي العام ، وكما تعرف هنالك حالة من الاستتابة لمثقفين وكتاب ، بول ريكور تحول اثر ذلك المنعطف الى أحد سدنة يوم " الأحد " أو هكذا يتهكم عليه مجايلوه . سولرز " الماوي العنيد " انحنى أمام البابا طالبا الغفران عن حداثة ضالة.. وهكذا . وللأسف هنالك من يتلقف هذا التردي العالمي ليترجمه عربيا كعلي حرب مثلا ، ولكن لا نقرأ على سبيل أفكار بول جونسون العقلانية حول مهمات المثقف وأوهامه. النقد ليس بمعزل عن كل هذا وأعتقد أن السر يكمن فيما يمكن تسميته بالأمريكانسم ، فجمهورية النظرية ، كما يحلو للغذامي تسميتها ، التي قامت على ثورية أمرسون الفكرية هي التي تضع اليوم العوائق أمام أي بادرة تثوير للثقافات أو الحقوق المضادة ، فالثورات حسب بريجنسكي أصبحت مثل بصمات الأصابع ، يعني أنها لا تتكرر . وعليه تم استئجار المفكر أو الناقد في مؤسسات مثل " الهيرتج " لتبث نوايا الامبراطورية كفرانسيس فوكوياما وهنتنغتون . فتش عن السر في " خدعة سوكال " وقد نجد بعض الاجابة في كتاب فرنسيس ستونور سونديرز " من الذي دفع الثمن – وكالة الاستخبارات المركزية الامريكية والحرب الباردة الثقافية " ولفهم أفضل لنتأمل المختبر العراقي من الوجهة الثقافية، فعل وقع اعادة الاعمار تتم اعادة تصميم الذهنية العربية.
7- ماهي حدود علاقتك بالتراث النقدي العربي خاصة ونحن لا نلمح الكثير مما يشير الي ذلك في دراساتك مقارنه بفيض المصطلحات والإشارات النقدية الغربية؟
التراث النقدي العربي انجاز حضاري لافت ، وهو مساحة مفتوحة دون أن تستثمر كما ينبغي ، بالنسبة لي أجدني متصالحا معها ، وممتنا للكثير من تلك الاجتهادات الفريدة ، وقد ضمنت كتابي " ضد الذاكرة – شعرية قصيدة النثر " لفتات نقدية للجاحظ والتوحيدي وغيرهما بما يسمح الموضوع . ذلك الموروث بحاجة الى تأصيل ، وأعني بذلك اعادة الحياة له وربطه بالنسق النقدي الحديث ، لا إدخاله في سباق مع منجز " الآخر " حول فعل الريادة ، ولا أظنني بمستوى هذه المهمة ، وكل ما أطيقه هو الاستفادة من ذلك المنجز خصوصا في تصوراته الفكرية المتأتية من النزعة العقلانية ، فهذه الزاوية تحديدا هي متكئي داخل ذلك المنجز.
8- هل تعتقد ان النقد العربي قد تخلص من قناع الايديولجي الذي تلبسه منذ الستينيات؟
بالتأكيد لا ، ولا زال النقد العربي ايدلوجيا ، استنساخيا ، تعاضديا ، الى آخر متوالية الوهن النقدي ، وهذا أمر طبيعي بالنسبة لمنظومة ثقافية تعيش انتلجنسيتها لحظة هبوط حضاري، وما النقد العربي الا امتداد لما يحدث في الحياة السياسية، فكما أراد البعض تحزيب الرواية وعسكرتها ، كذلك النقد لم ينعصم من تلك المحاولات ، بالنظر الى أن أدلجة المنتجات الابداعية هي مهمة المتحاربين ، والحياة العربية تقوم علىشيء من هذا التجابه الحاصل في هامش الحياة ، فالتراث مؤدلج ، والحداثة مؤدلجة ، وحتى التخلف مؤدلج ، وكل منتجات الحياة الثقافية لا بد أن تكون مجرد صدى لمفهوم دولة الاستبداد الشرقي ، كما وصف هيجل مجتمعاتنا.
9-هل ثمة مناخ عربي مهيأ لإفراز نقاد مثل بارت وتودروف وفراي وجينيت وبلوم وغيرهم؟
لا يمكن بحال استيلاد ناقد ضمن مجتمع خارج ، أو مطرود من التاريخ ، بتعبير فوزي منصور، فالنقد الغربي اليوم بكل أساطينه هو نتاج حضارة حية ومتحركة ، تماما كما كان النقد العربي ذات يوم يتحرك تحت مظلة النزعة العقلية المعتزلية مثلا ، ولكن الحياة العربية اليوم لا تتوفر فيها شروط الآدمية ، ولا مقومات الحياة الثقافية ، وبنية الخوف والجهل والحذر هذه لن تنتج الا ما يشبهها ، أي ناقد يهاب واقعه ، ولا يتحداه . لا أظن أن حياة مسيجة بالخطوط الحمراء يمكنها أن تستولد ناقدا بهذا المستوى من التحرر الفكري ، تماما كالابداع فالفن يشتهي الحياة، كما يقرر نيتشة ، ولكن هذا لن يحدث في حياة عنوانها الخوف. أجل الخوف الذي يقف حائلا دون الاحساس بالحياة.
10-يشهد واقع النقد العربي والدراسات الأدبيه تنوعا يصل الى حد التسيب وتعددا ينتهي الي الفوضى فكيف يمكن لنا من وجهة نظرك مواجهة ذلك؟
لا يمكن ضبط أي ظاهرة الا بانتاجية مضادة ، من المهم التركيز على توفير المنتج الثقافي الجيد ، يعني لا بد من التأكيد على مزيد من الحرية ففي ظل الحرية تظهر الحقيقة ، لأن تلك الفوضى التي تتحدث عنها ليست اعتباطية ، بل مبرمجة ، وهي عنوان لخراب يراد له أن يستشري ، والمثقف العربي ، أو الناقد العربي تحديدا أمام مهمات تتطلب منه ولاء استثنائي للنص لا للشخوص ، لتتوقف كل تلك الهباءات التي تتلبس الثقافة زورا، والا كيف تفسر ما كتبه علي حرب وأحمد بزون وشوقي بزيع عن عبدالله باشراحيل ، ألم يعلن الحرب علي حرب على كل المثقفين العرب ؟ ويبشر ويدعو لاماتتهم ؟ وكيف نغفر لفوزي كريم ما كتبه عن عبدالله الناصر بعد أن أشبع الحداثيين تفضيحا ؟ وكيف يبرر لنا محيي الدين اللاذقاني فعلته أيضا مع ذات القصص . أنها مهزلة لا يرتكبها الصغار من الراغبين في التمثل ثقافيا بفضول الجاهل ، ولكنها جناية مدبرة بطابور من المنتفعين، الذين يسمون ضلالاتهم النقدية " دراسات " ويجادلون بها القاريء في منتدى معرض الكتاب في القاهرة و " الأوديسة " في بيروت وهكذا.
11-لماذا انصرف النقاد هنا وأنت منهم عن الإبداع المحلي الي الإبداعات العربية والغربية ومحاولات التنظير عدا قله قليلة جدا منهم د.عالي القرشي .؟
ما زلت أقارب المنجز المحلي بشتى صنوفه ، وسيظل مكمني ولو بصيغة تختلف عما اعتدته وللآخرين بالتأكيد مبرراتهم في هذا الانصراف ، فالغذامي مثلا كما صرح لا يقارب من النصوص الا ما يخدم بحثه ، وهذا حقه ، ولكن هنالك من لا زال يطل على النص المحلي بجدية بين آونة وأخرى كمعجب العدواني ومحمد الحرز والمجموعة التي تولدت عن منتدى السرد في جدة والتي لا تقل أهمية عن اجتهادات عالي قرشي ، وكذلك المجموعة التي أسست لخيمة منتدى السرد في الرياض، رغم الملاحظات الكثيرة حول تلك الاجتهادات.أما التنظير فلا طاقة لي به ، فلست أكاديميا ، ولا تستهويني فكرة التمدرس والتنميط ، وكل ما أحاوله هو تأمل الظواهر الثقافية والتجادل بشروط تولدها وآفاق تمددها.
12-اقتطع التشكيل من وقتك النقدي مساحة ليست بالقليلة وكانت لك رؤي خاصة أغضبت البعض ..فهل انطلقت هذه الرؤى عن وعي ناقد ام عن بصيرة متلقي مثقف؟
لم يواجه النقد عنادا كالذي واجهه مع الفنان التشكيلي ، كما تحدث عن ذلك جيروم ستولينتز، والسبب كما يبدو مرده احساس الفنان بأن اللوحة هي ملكوته الخاص ، وهي غير قابلة للمقاربة خارج البصري ، أما الناقد فيراها نتاج ذهنية ومزاج ، ولها من الشروط والصلات السوسيولوجية الكثير. الفنان يريد أن يدهش بصريا ، والناقد يريد أن يمفهم ، وهنا مكمن العناد ، خصوصا حين يعجز الفنان عن إنطاق لوحته كما تعرف . بالنسبة لي لا أتعاطى الفن التشكيلي الا كمكمل لبقية الأجناس والألوان الابداعية ، فايماني بتكامل الفنون وليس تصارعها هو ما يدعوني للتماس بهذا العالم الرائع ، وبطبيعة الحال لا أقف موقفا حديا من منجز على درجة من التشظي وفيه من النساخين والمقلدين والموهومين ما يثير الارتباك ، وبالمقابل هنالك ما هو جدير بالتأمل خارج ضجيج الجوائز والطنطنة الاعلامية ، وسأحيلك الى الدراسة المطولة التي كتبتها مؤخرا عن الفنان فيصل مشاري المنشورة في مجلة " قوافل " في عددها اليتيم الذي تم تحت اشراف يوسف المحيميد، ففيها ستجد كل عدتي النقدية والذوقية.
13-هل تري ان نحت كلمات بعينها وتوظيفها في سياق الدراسات النقدية التي تشتغل عليها شكل من أشكال التفرد تؤسسه لذاتك ولو خارج السياق ام تأثير من تأثيرات المترجم الذي بداخلك؟
لست مترجما ، ولا أصنف نفسي كذلك ، وما المفردات الخاصة الا حالة من التفرد الأسلوبي الذي هو شخصية الكاتب فيما يسميه رولان بارت " الأسلبة " . لا أتعمد نحت المفردات ، ولا سك المصطلحات ، ولكني أميل الى تكثيف ما أكتب ، من خلال تعبئة المفردة بأقصى طاقاتها الاشتقاقية ، وهنا أقر بأني لا أعترف بقدسية قانون الاشتقاق المكرس مدرسيا فاللغة كأعظم اختراع انساني ، هي في الأصل كائن حي ، ويمكن أن تتمدد وتتفجر بقدر ما نحقن فيها من أفكار وخيالات وهلوسات، وما الضبط الاصطلاحي الذي تتحدث عنه ، ويزعمه الكثير من النقاد العرب ، الا أكذوبة عربية أخرى ، فالمصطلح لا ينتجه الا كان في قلب الفعل الثقافي الحضاري ، أما ما يفعله النقاد العرب فهو تعريب منقوص أو مخدوش فالتفكيكية والتقويضية وغيرهما من التعريبات لا تعني ما أراده جاك دريدا بالفعل.
14- كيف تري لقصيدة النثر السعودية الآن بعد غياب العديد من مبدعيها اوتحولهم الي اشكال ابداعيه اخري ؟
هنالك موجة جديدة لا تريد التواصل مع سابقتها ، ولا زلت بصدد البحث عن السبب ، فالموجة الأولى سجلت اسهامتها وغادرت مع بعض الاطلالات ، وأعرف أن كل الأسماء القديمة تحتفظ بمخطوطات جاهزة للطبع يمكن مجادلتها ساعة ظهورها ، أما الموجة الجديدة فلديها مغامرة النشر والعزوف عن المساجلة ، ربما أرادوا الامعان في قتل الأب , وبتصوري أن هذا اللون الابداعي سيشهد حضورا كميا باهتا حتى من قبل الأسماء القديمة ، فشكل الحياة التي تولد على ايقاعها ضجيج المرحلة الأولى لم يعد متوفرا، وسمة التحدي الفردي والجمعي تتوارى لصالح الأوهام والادعاءات ، ولن نتحدث كثيرا الا عندما نقف على شكل المنتج الجديد.
15-هل نحن نملك من المنهجية والفكر النقدي ما يدفع البعض للحديث عن نظريه نقدية عربيه ويدفع الناقد العباس الي انتقاد د.الغذامي لاتكائه علي النظرية والمصطلح النقدي الغربي؟
المسألة لا تكمن في المنهجية بل في شكل الحياة كما أسلفنا ، الحياة العربية لا توفر للكائن حق الآدمية فكيف بالنظريات النقدية والآفاق الابداعية ، الحياة في مكان آخر كما قال وفعلها كونديرا ، وليس كما يكرر أدونيس بمراوغة سمجة " لم يعد الا الجنون " فيما هو يتمأسس ، وينحاز ضد كل ما هو ثوري في الحياة الثقافية العربية . أما الغذامي فهو صريح جدا في هذه النقطة ، فقد صرح بأننا لا نملك الا حق استهلاك ما ينتجه الآخر، ولذلك بدى في كتابه " النقد الثقافي " تلميذا نجيبا لتلك المدرسة فلخص كل المتداول حول النقد الثقافي بمنتهى الأمانة، وما انتقادي له الا من ناحية ارتباكه أمام تلك المناهج وتنقله التوفيقي أو التلفيقي بينها، وسوء استخدامه احيانا لمتانتها العلمية في قلب الحقائق المعرفية والجمالية.
16- اختلفت مع كل النقاد علي الساحة المحليه تقريبا هل نستطيع ان نعرف عن بعض هذه الاختلافات خاصة مع الغذامي والبازعي والزهراني؟
لا أظن أني أختلف مع أحد ممن ذكرت ، فليس في مشهدنا الثقافي ولا العربي ما يمكن أن نسميه " نقد النقد " وليته يتوفر ، وكل ما أمتلكه ناحية تلك الأسماء ملاحظات على منجزاتهم ، ومحاولات لاحداث حوار للأسف لا يتم الا من جانب واحد ، فهم يحضرون في المشهد بكثافة ، ويحتلون المنابر طيلة العام بل كل المواسم ، ولكن هل سمعت أن أحدهم طلب أن يجابه قراءه في " حوارية " بدل أن يحاضر فيهم بإملاء فوقي لجمع تحتي . كلهم ، وغيرهم يمتلكون ما نود محاورتهم بشأنه ، ولكن كما تعرف ما زلنا نحاور ما يشبه الأشباح، هذا هو حال المشهد.
17- الناقد محمد العباس الأسئلة كثيرة والعبارة ضاقت لضيق المساحة ولكن بقي سؤال خاص يبدو بعيدا عن السياق وهو كيف رأيت اخف من الريش وأعمق من الألم لمحمد الحرز ؟
سؤالك يبدو متأخرا بعض الشيء فقد نشرت قراءتي في ملحق جريدة الرياض " ثقافة اليوم " 21 رجب تحت عنوان " تنصيص الذات بنبرة رمادية " ومفادها أن الحرز كان هذه المرة أقرب الى الكلام ، وهذه مغامرة حين يميل المبدع الى النثرية الخالصة ، فقد أسلمته هذه النزعة الذاتوية الى نبرة رمادية قادت كل عناصر النص . أتمنى أن تحظى المجموعة بقراءات أخرى خصوصا بعد ذلك السبات الطويل.
وبقي أن نقول لك ما الذي يطمح إليه الناقد بداخلك وهل هناك خريطة للقراءة الغير ضالة تحدد معالم طموحك النقدي؟
الناقد بداخلي هو ذاته الانسان ، لا أريد أن أفقد الدهشة أمام الجمال ، ولا متعة تفكيك النصوص تنقيبا عن المعنى ، لست بصدد التنظير ، ولا ابتكار نظريات انعطافية ، ولكن بالتأكيد لي رغبة في أن أستثني نفسي من الاعتيادي ومن المعروض أو المطروح ، فالوعي حين يلتقي بالفعل يتغير وجه التاريخ ، هنا ، عند هذا المنعطف أواعد نفسي...
|