شارك الناقد محمد العباس في الندوات النقدية التي اقيمت على هامش "ملتقى صنعاء الاول للشعراء الشباب العرب" ولكن ميزته لم تكن كناقد يقدم دراسته فقط، بل كانت بقربه من الشعراء المشاركين والانصات اليهم ووجوده كفاعل ومتفاعل، للناقد العباس اربع كتب، الاول:" قصيدتنا النثرية/ قراءات لوعي اللحظة الشعرية"صادر عن دار الكنوز الادبية في بيروت والكتاب الثاني بعنوان "حداثة مؤجلة" من سلسلة كتب الرياض والثالث "ضد الذاكرة/ شعرية قصيدة النثر"صادر عن دار الكنوز و كتابه الاخير" سادنات القمر/ سادنات النص الشعري الانثوي" صادر عن مؤسسة الانتشار العربي وكان لايلاف هذا الحوار معه:
* يتهم المبدعون النقاد بانهم لايقرأون مارأيك؟ وباعتقادك من اين اتى هذا الاحساس؟
اعتقد انه ليس لامكاننا القول ان كل النقاد لايقرأون بل هم يقاربون بحرية ولكن المبدع العربي هش ويعتقد ان من مهمات النقد الترويج لمنتجه الادبي و كيل المديح او على الاقل تقديمه بصورة ايجابية على الدوام ولكن مهمة النقد تختلف فالناقد كما يتناول جماليات النص يتناول القبح فيه ومواطن ضعفه ويقرأ النص من داخله ومن خارجه أي بما هو نص مكتوب يحمل صيرورة تشكيلاته الداخلية وبما هوفعل ينتمي او خاضع لنسق علوي يفترض ان يقارب من التناسب لتأويل النص ذاته واختباره ضمن بنى أعمق واشمل، واعتقد ان النص الجيد يفرض نفسه على الناقد بل ويؤثر في الاتجاه الذي يمكن ان ينحى اليه النص في مقاربته للنصوص، اما الصمت عن كثير مما ينتج فهو باعتقادي رأي نقدي فالصمت دلالة على عدم الاقتناع ..
* الا يفترض هذا الكم الهائل من المبدعين الشباب ان يفرز كما هائلا من النقاد وان تواكب الحركة النقدية الحركة الشعرية ؟
- هذا الكلام صحيح الى حد كبير ويفترض لكل موجة ابداعية او ظاهرة جمالية ان تولد نقادها من خلال صيرورة الفعل الثقافي الخاص وبطبيعة الحال يجب ان تقارب النصوص الجديدة بواسطة نقاد متمرسين وعلى دراية بالقديم من المنجز وبالحديث منه للدخول فيما يشبه العلاقة العضوية بين الماضي والحاضر الابداعي ولكن هناك معضلة حقيقية تتمثل في كون النص الجديد على درجة من التجاوز والقطيعة مع آليات وشروط الانتاج الادبي القديم وبالتالي يحتاج إلى ذهنية اكثر قربا ليس من النص المنتج وحسب بل من الذرات المنتجة له بمعنى ان يكون الناقد اقرب لهاجس اللحظة ومتطلباتها بما هي شروط اجتماعية وثقافية ونفسية منتجة لذوات مختلفة ومغايرة للذوات السابقة، اعتقد ان جيلا من النقاد الجدد سيتولدون ضمن هذه الصيرورة وذلك بما يمارسه النص الجديد من تصعيد جمالي وتدافع لتصدر المشهد الابداعي..
*يقول بعض المبدعين انهم لايستفيدون من النقد فما رايك؟
- في الواقع الكثير من المبدعين يصرحون بين اونة واخرى بانهم لايستفيدون من النقد وباعتقادي ان النقد هو العمود الثاني لاية عملية ابداعية واي مشهد ثقافي يتعطل فيه هذا الفعل يكون في حالة عرج واعتقد ان النقد لايتناول النصوص فحسب بل يتناول الظواهر بشكل عام والشروط التاريخية والاجتماعية والثقافية التي يمكن ان يولد بها أي شكل من الابداع المختلف او المغاير المهم ألا يمارس النقد وصايته الابوية على النص او ان يشده على مقصلة المناهج ليمنع عنه التنفس فالنقد يفتح النص على السؤال بمعنى انه يتيح له فرصة التحرك وتجديد خلاياه من الداخل أي مانسميه" احاريك النص الداخلي" ..
*وهل ما تراه امامك في ظل قراءة الواقع الابداعي والنقدي كفيل بان نقول ان المشهد النقدي اعرج؟
- بالتأكيد هناك علاقة مفقودة بين النص الادبي والفعل النقدي ولا يتحمل هذا النقد وحسب بل حتى النص ومنتج النص عادة ما يكون زاهدا في تلقي الفعل النقدي او خلق اية صلة مع الناقد بصفته مفكرا في الاسس البنائية للنص وبالتالي نجد ان القطيعة تتحول في اغلب الاحيان الى حالة من العداء الصريح يكون محصلتها الابداع بشكل عام وهي موجودة ومتوافرة كما نسمعها مثلا في استغاثات منتجي النص بان نصوصهم يتيمة وانها مرمية في العراء دون اية مقاربة نقدية مقابل تواجد نقدية جارحة تحاول تبخيس المنتج بحجة عدم وجود نص محرض.
* تحدثت عن هشاشة المبدع باعتقادك ما سببها؟
- هشاشة المبدع متأتية اصلا من هشاشة النفس العربية بشكل عام فالمبدع هو نتاج بنية خوف وحذر واحتراز وبالتالي فان كل بنية لاتنتج الا ما يشبهها، هذه الذات عندما تقارب النص تقاربه بكل رهاباتها وبالتالي لا تحتمل فعل النقد التقويمي مثلا بما هو حالة من التماس الجارح الى حد ما التي تتعدى النص الى عمق الوعي المنتج للنص وعليه تستشعر الذات المنتجة للنص شيئا من الحساسية حيث تعتبر منتجاتها حالات مقدسة غير قابلة للمقاربة الا من جهة تصويرها او ملامستها بالكثير من الرعاية وليس الموضوعية واعتقد ان الفعل النقدي عندما يقارب هذه النصوص لايتعمد فضح هشاشتها بقدر ما يحاول ملامسة بناها الغورية والافق الذي يمكن ان تمتد فيه.
* ما مواصفات النص المثالي من وجهة نظرك؟
- لا يوجد نص مثالي بالتأكيد، انما يوجد نص جميل بناء على مايتضمنه على قدرة من الادهاش، لابد ان يكون مدهشا وفيه شيء مختلف ثم يبدأ البحث عن سر الدهشة بمعنى ان يكون داخل النص حالة من حالات التشخيص الذاتي او التحليل او الموضوعي او أي مركب من المركبات الموجبة لتأمل هذا النص وللناقد وجهتين في اغلب لمقاربة النص او معاريته .. ان صح التعبير فاما ان يقرأ النص من اجل المتعة ويناقضه على هذا المستوى بحيث يفعّل كل حواسه مقابل ادواته النقدية او ان يقارب النص بتشريح تجريدي بارد او بالمنهجية المحضة وفي هذه الحالة يذهب النص ضحية لتلك الانزيحات التي لا تخدم النص ولا النقد ذاته ..
ان النص مركب لغوي وشعوري وموضوعي ومهمة النقد ليس قراءة هذا النص برافعة تأويلية او بتبخيس متعمد انما الاقدام عليه بحب فلا يمكن مقاربة أي نص دون أي حب..
ان خط الدفاع الاول لكل نص او شاعر هو الشعور هذا الذي نبحث عنه في كل نص فاذا توفر الشعور يمكن البحث عن جملة من العناصر او التداعيات النصية اما اذا انتفى هذا البعد فكل ماستقع عليه ابصارنا او يدخل الى مسامعنا لن يكون اكثر من لعبة لغوية او استعراض مهارات صياغية واعتقد ان الشعور هو عصب النص الشعري وهو بحاجة بالتأكيد الى لغة تستمد مقوماتها من هذا الشعور وبالتالي تكتب القصيدة على ايقاع هذا الدفق الشعوري..
* ما رأيك في المسميات الجديدة التي صاحبت قصيدة النثر فتلك مكثفة وتلك ومضة؟
- لهذه المسميات مشروطيات وسوابق تاريخية فكل المسميات النقدية هي فعل نقدي وليس فعل ابداعي على سبيل المثال تحقيب العصور الفنية " الرومانسية الكلاسيكية" انما فعله النقاد، وتأطير المناهج فعله النقاد ايضا كذلك في تفاصيل النصوص من الداخل تكون مهمة الشاعر او المبدع منتهية بمجرد ان ينتج نصه حيث تبدأ مهمة الناقد في حفر هذا النص للوقوف على اسلوب المبدع وتقصي عباراته وتأمل وعيه ولا وعيه .. ومن ثم ربطه بكل السياقات الاجتماعية والمعرفية وعليه تظهر بعض المسميات حول مبدع ما او ظاهرة ما بحيث تؤطر وفق تداعياتها الزمانية او المكانية او النفسية وهكذا ..
وقد لاتصمد هذه المسميات الا اذا تأتى لها فعل تراكمي كمي تتحول بموجبه الى حالة نوعية وبالتالي مايسمى بطهرانية الروح المنتجة بالضرورة الى تلقائية الكتابة ولكن هذا التصور الاولي للنص هو بحاجة الى شيء من التشديد او الضغط او حتى التحكم في مستوى الايقاع ومنسوب تدفق النص ليس بالمعنى القمعي او التعقيمي للنص انما بمعنى " تحكيك النص" ومحاولة صقله على المستوى اللغوي والمستوى الصياغي بحيث يبدو النص في صيغة او رونق اكثر قابلية لأن يبهر المتلقي او يوصل الرسالة بشكل جمالي اما عندما يتدخل المبدع في النص بعد الفراغ منه بروح نثرية او بمحاولات لتصعيده دون مبرر فهذا يمنع النص عن ان يكون دفقة شعورية مقنعة بحيث تتعطل مستجوباته النفسية والموضوعية ايضا وهنا يكمن السر في عطالة الكثير من النصوص المدبرة أي تلك التي يتدخل فيها المبدع في النص بشكل مبالغ فيه.. بحيث يفقد النص قدرته على الادهاش ويتحول الى موضوع..
* بعض الشعراء يلجأون في قصائدهم الى ان اثارة دهشة القارىء ويدخلون مفردات غريبة واحيانا تفتقر الى التهذيب ما رايك؟
- هناك فرق بين الصدمة والدهشة عادة ما يتأسس النص بشكل بنائي الى ان يتدخل المبدع من اجل اضفاء نوع من البهرجة اللغويةاو التصعيد الموضوعي بعبارات فجة او فعالة في ابداء منسوب التجابه مع المعتقد او التابوات بشكل عام لانقاذ النص من عوزه الشعوري و الموضوعي .. وهذا لايعني ان النص سيتجاوز قدرته على الادهاش بتلك الترقيعات انما سيولد صدمة شعورية موضوعية أخلاقية أو صدمة بأي مستوى من المستويات ولكنه لن يتحول إلى حالة جمالية تنساب إلى المتلقي بسهولة في النصوص القديمة مثلاً كانت هناك مبالغات شكلية لإغواء المتلقي وإدهاشه في الشعر مثلاً المبالغة فيه إيقاعية النص وتعليق الكثير من الطبول في النص الحديث مفوضاً عن هذه التنويعات الخارجية فهناك محاولات لاستزراع النص بعبارات وانفعالات مدبرة وهي تقع بتصوري في هامش النص وليس في جوهره، هذا هو الشيء الذي يشبه الشعر وليس هو الشعر بما هو فعل جوهري.
* ومارايك في هذا الكم الهائل من النصوص؟
- سيستمر المشهد العربي في انتاج كم هائل من النصوص وتوليد ذوات مبدعة او تحاول الانتماء الى الفعل الابداعي وبشكل متماد واظن هذا الفعل التراكمي الكمي سيتحول بشكل او باخر الى فعل نوعي ..
ان حالة الانتاج الكمي هذا تدل على شيء من الديمقراطية وجماهيرية شكل الانتاج الفني الحديث وفي مثل هذه الحالات تتوالد الكثير من النماذج الناقصة والمرتبكة والمنمطة الى ان يتأطر المنتج ويدخل في حالة من التحدي ليعلن عن نفسه او عن جوهره تحديدا وكما كان الشعر العربي في يوم من الايام يولد الكثير من الشعراء الذين نسيهم التاريخ واخذ منهم الصفوة فستتكرر المعادلة هنا لمن يكون لديه القدرة على التحدي.
* وكيف يكون التحدي باعتقادك؟
- شكل التحدي لايتأتى من الفعل الابداعي فحسب بل من تحديات ثقافية اشمل فالابداع ماهو الا رافد او نتاج جملة من الشروط والحالات المتبادلة وعليه سيكون الشعر كما كان هو الترمومتر الذي يحدد منسوب الوعي الجمالي لهذه الامة..
واعتقد ان وجود جيل هائل من الشباب حاليا هو الذي سيضع التحدي ضمن هذه الخانة ..
ان قصيدة النثر مثلا هي قصيدة جيل وليست قصيدة مفتوحة بالمعنى التسجيلي وعليه يمكن الرهان على التحدي ضمن هذا المكمن..
* هل يمكن ان تعطيني رايك في الحركة النقدية العربية ؟ وهل خفتت حدة نقد قصيدة النثر؟
- قد لا يتطابق الفعل النقدي تجاه مبدع بعينه ولكن ليس لدرجة الغاء هذا النص او الاعجاب به بشكل مبالغ به ولكن قد يختلف عليه من ناحية التماس معه منهجيا اما مايعرض حاليا من فعل نقدي فهو اقل بكثير مما يتوجب فعله تجاه المنجز الابداعي وما خفوت هذا التكثيف لنقد قصيدة النثر الا حالة من الاقرار بمشروعية اللون الابداعي والتأكيد على وجوده وفي واقع الامر لايوجد فعل نقدي حقيقي حتى الان اذ هي مجرد انطباعات عابرة تراقب المنجز في ملامحه العامة لكنها لاتمارس الحفر النقدي في شروط ولادته الاجتماعية والثقافية والسياسية بشكل عام ..
وربما يكون الامر مجرد اهمال نقدي وليس مجرد حالة تصالح مع المنتج الجديد.
* هل من الممكن ان تحدثنا عن كتابك الاخير سادنات القمر؟
- هو كتاب يحاول الاقتراب من الصوت الأنثوي منذ بداية التاريخ والى الان وفي مجمل الثفافات من الوجهة اللغوية والفنية والتعبيرية بحيث يبدأ منذ اول نص شعري مكتوب " لانهيدوانا" 2500 قبل الميلاد وهي شاعرة اشورية بابلبة سادنة من سادنات المعابد مرورا ب"سافو" يونانية وصولا الى العصر الحديث وهي محاولة للوقوف على العبارة الشعرية الانثوية بتشكلها اللغوي الشعوري من خلال مقاربة نصية لجملة من الحالات والظواهرالنسوية فهناك اقتراب من النبرة الحقوقية للمرأة والحس" الايروتيكي " الأصيل في النص الانثوي وبالاضافة الى التماس النسوية كخطاب دافع بالصوت الانثوي بمعنى مراقبة المرأة وهي خارج التاريخ واللغة ودخولها الى التاريخ واللحظة من خلال اللغة حيث استعادت صوتها بالنص الشعري تحديدا والكتاب يتناول طابور طويل من الشاعرات من جميع الثقافات بما في ذلك الحالة العربية بما توفر بها من شاعرات جاهليات واسلاميات ومعاصرات وان وفرة الشاعرات بشكل هائل كان يدلل على محاولة المرأة للتنادد مع الرجل واكتساب صوتها من خلال النص الشعري وهناك وفرة محيرة بالفعل على كل المستويات كما لفت الانتباه وجود جرأة في الطرح بحيث تنطرح الذات بحميمية واضحة ومتجاوزة كما لفت انتباهي روح التمرد ومحاولة الحضور بقوة في المشهد الحياتي وليس الابداعي فحسب..
* قلت ان هناك اصوات نسائية تحاول ان تتنادد مع الرجل فهل استطاعت ذلك؟
- لم تتنادد مع الرجل فحتى الشاعرات المبدعات مازلن يكتبن بمرجعيات الرجل لانهن خاضعات لسطوة الرجل وخطابه فكثير من النساء الشاعرات يؤكدن تأثرهن بشعراء رجال كنزار قباني ومحمود درويش وغيرهم ولم تتأثر الشاعرات بشاعرات سابقات هذا من ناحية ومن ناحية اخرى لازالت الشاعرة العربية غير قادرة على فرض صوت شعري انثوي مميز الا فيما ندر بسبب الظليمة التاريخية اذا صح التعبير والاقصاء المتعمد لعصور طويلة بحيث لم تكن المرأة اصلا موجودة في قلب الحياة انما في هامش الحدث السياسي والحياتي اصلا وعليه لم يكن لأي ذات انثوية أن تحضر شعريا بما هي غائبة حياتيا اصلا..
* الانتقادات توجه لبعض الشاعرات بأنهن يستعملن البوح كوسيلة للشهرة ما رأيك؟
- هناك نماذج شعرية انثوية مصعدة وملمعة اعلاميا وبالتأكيد اتكاء بعض الاصوات الانثوية على انثوة النص الشعري بحيث يبدو نصها وكأنه جسد ينكتب اضاف لسلطة الكتابة سلطة التأنيث وهو امر لافت للانتباه دون شك ويموضع الشاعرة في مركز الحدث الابداعي لايكفل لها الاستمرار والثبات كشاعرة مميزة وصاحبة صوت او نبرة مختلفة..
* الى أي مدى اثرت الترجمة في الحركة الشعرية الحديثة؟
الترجمة واحدة من المؤثرات الهامة التي تحكمت في النص الشعري الحديث بحيث اكتسب النص الجديد بعض ايقاعات وتقنيات كتابة النص المترجم بالاضافة الى ما استنفذ من موضوعات النص المترجم ودلالاته والتي كانت سائدة اصلا حتى ضمن مرحلة التفعيلة كما حدث مثلا في التموزيات حيث استعاد الكثير من الشعراء من الاسطورة التي كانت تيمة مهمة في النص الاجنبي..
واتصور من المهم التعامل مع الترجمة بشيء من الحذر ولكن بانفتاح فنحن بحاجة الى الاطلاع على ما ينتج الاخر في اوج اشتغالاته المعرفية والابداعية ..
ولكن لابد من ملاحظة جدية التأثر ضمن قاعدة تسمح للنص العربي بالابقاء على جوهرانية دون قطيعة مع أي شكل من أشكال التأثر.. فالنص الابداعي فعل يقوم على المثاقفة أصلا..
* نجد القصيدة اليومية والهامشية والتي تروي تفاصيل دقيقة اليوم فهل هذا اساء بالقصيدة ام جعلها ابنة اللحظة؟
اظنه فعل تأصيلي في الشعر الحديث فالنص اليوم شديد الصلة بلحظته ولا يمكن بحال فصله عما يجري فما يصطلح على تسميته بالهامشي والعرضي واليومي ان هو الا المقترح او الاداة التي يتحرك بموجبها النص الحديث يكتب لحظته وذاته دون نفي ولا استلاب ودون اغتراب عن موضوعه وهذا ما يسمى "السونيات في تطابق الدال والمدلول" او انتفاء الصلة بين الذات ومنطوقها فعلى سبيل المثال لا يحتاج الشاعر اليوم الى اسطوريات سيزيف وبرمثيوس وزيوس بقدر ما يحتاج الى اسطوريات الحياة اليومية كما اطرها "رولان بارت" في "مادونا وعلب الكوكا كولا والبيتزا" فالشاعر الحديث معني بما يعيشه وليس بما يسلبه ذلك الاحساس بالوجود بمعنى ان نعيش الوجود نفسه وليس ما يشبهه واظن ان اليومي بحاجة الى الكثير من المقاربة النقدية ليقع في خانة الشعر.
|